لن نستطيع أن نتحدث عن منهج إسلامي لتربية متكاملة دون أن نتطرق إلى أحد أهم جوانب الحياة وأكثرها حساسية ألا وهو النمو الجنسي في حياة الأبناء بحث ينشأ أولادنا وبناتنا متزنين كما أراد الله تعالى لهم فنجنبهم بذلك الانحراف أو المشاكل النفسية المرتبطة بالخلل في هذا الجانب وحتى نقي أبناءنا من الوقوع في براثن التحرش الجنسي وويلاته الوخيمة وللإسلام في هذا الميدان منهج واضح وتعليمات محددة ينبغي لكل أب وكل أم وكل مربي أن يمتثلها.
وقبل أن نوضح ملامح هذا المنهج لابد من الإشارة أنه لابد من النظر بريبة لمقترح تدريس ما يسمى بمادة الثقافة الجنسية في المدارس العامة وهو المطلب الذي تتبناه المنظمات النسوية كما تقرر في مؤتمر بكين.
والسبب الأساسي في رفضنا لهذه المادة أن تدريس هذه المادة سيكون مجرد استنساخ لما يحدث في الغرب دون الوضع في الاعتبار ماهية ثقافتنا وديننا الذي أباح لنا الطيبات وجعل من خلق الاستعفاف ركيزة محورية للتعامل مع هذا الجانب الإنساني الأصيل.
أما مادة الثقافة الجنسية في الغرب فتقوم على مبدأ التجريب والانفتاح الغير محدود ورفض أي قيود مسبقة على الغريزة بل رفض وإنكار ما تعارفت عليه البشرية منذ الأزل من وجود جنس الذكر وجنس الأنثى فيما يطلق عليه فلسفة الجندر واعتبار العلاقات الشاذة مجرد علاقات مثلية تمثل أحد الخيارات المتاحة للإنسان.
الغرب الذي يرفض الزواج المبكر في الوقت الذي يفتح الباب على مصراعيه لإقامة علاقات آثمة بين المراهقين بعد رفع الوصمة المرتبطة بهذه النوعية من العلاقات وتعليم المراهقين من خلال مادة الثقافة الجنسية ما يطلق عليه الجنس الآمن أي الذي لا ينتج عنه حمل أو تناقل للأمراض المعدية.
ولأن أبناءنا لا يعيشون منعزلين على سطح هذا الكوكب كان لابد من حمايتهم بالمعرفة المنبثقة من هذا الدين العظيم ولنطلق على تلك المعرفة ثقافة الاستعفاف باعتبار الغاية التي تحققها تلك المعرفة.
ومن نافلة القول أن الجهل وتجهيل الأبناء بكل ما يمت لهذا الجانب باعتباره عيبا لا يجوز التفكير فيه سيلقي بأبنائنا إما للمعرفة من مصادر مغشوشة كالأصدقاء أو منحرفة كالمواقع الإباحية وقد يتعرضون للتحرش دون أن يعرفوا ما عليهم أن يفعلوا وكيف يدافعون عن أنفسهم.
وبالنسبة للفتيات على وجه الخصوص قد يحدث لدى البعض منهن حالة من الاشمئزاز من العلاقة الجنسية السوية قد تصل بالبعض منهن إلى مرحلة رفض الزواج أو حدوث خلل شديد في طريقة استجابتها للعلاقة الزوجية وما يستتبع ذلك من مشكلات قد تصل إلى الطلاق.
فراش لكل طفل:
هذا هو المبدأ الأول في ثقافة العفاف فعندما يصل الطفل لسن العاشرة فهو في مرحلة الطفولة المتأخرة وعلى أبواب البلوغ فهنا يلزم الإسلام الوالدين بتخصيص فراش لهذا الطفل ينام فيه وحده بعيدا عن إخوته ومهما كانت درجة الفقر الذي تمر بها الأسرة فلن تعدم فراشا بسيطا لطفل العاشرة وفي أسوء الحالات لابد أن يكون له غطاء خاص به: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أبو داود.
فالولد يلتحف مع أخيه في لحاف واحد ولا تلتحف بنت مع أختها في لحاف واحد والحكمة العظيمة من وراء ذلك أنه يقي الطفل من أي ملامسة غير مقصودة في وقت تستعد فيه أجهزة جسده المختلفة لمرحلة البلوغ ومن ناحية أخرى تحافظ على خصوصيته أن يقترب منه أحد حتى لو كان أخيه وهي رسالة ضمنية إلى الطفل يفهم منها أنه لا ينبغي له أن يسمح لأحد بالاقتراب منه على نحو حميمي وخاص.
والمشاهد أن التفريط في هذا الواجب سبب الكثير من المشكلات الاجتماعية التي قد تصل إلى درجة المآسي.
كما أن الربط بين تعليم الصلاة والتفريق في المضاجع أمر له دلالته فالصلاة تعلم الطفل تقوى الله ومراقبته في السر والعلن وهذه هي النقطة المحورية لثقافة العفة التي ينشدها الإسلام في الإنسان منذ مرحلة الطفولة.
كما أن تعليم الصلاة يعني تعليم الطهارة والوضوء وما يستتبع ذلك من تعليم الطفل نواقض الوضوء وتفهمه معنى العورة والحدث والاستنجاء وآداب ذلك وآداب لمس العورات.. هذا كله يتفهمه الطفل من والديه أو شيخه في المسجد ضمن مادة الفقه.. هذه المادة هي المرشحة بقوة لتعريف الأطفال ثقافة الاستعفاف بطريقة ضمنية غير مباشرة وبصورة متدرجة تناسب نمو الطفل فتكون هذه الثقافة تابعة لتعلم أحكام العبادات المختلفة وأحكام الدين بوجه عام.. يحدث ذلك في إطار بالغ من التهذيب وليس بمنهجية تثير الغريزة النائمة بدءا من المسمى الدراسي مرورا بالمواضيع المتناولة.
آداب الاستئذان:
وهذا محور آخر من محاور الوقاية أرساه الإسلام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].
وهدف هذه الآداب ألا يقع نظر الطفل البريء على مشهد بين والديه يؤثر في تكوينه النفسي الرقيق وقد يصيبه ببعض المشكلات النفسية المرتبطة بأصول جنسية وعلى الأقل فهو يحرق مراحل بريئة من مراحل نموه قبل أن يتفهم حقيقة هذا الأمر الذي رآه فيقع في قلبه تصورات وخيالات تكون بداية لانحرافات كثيرة.
وإذا كان الأمر كذلك فإن في مشاهدة التلفاز ما هو أسوء مما يمكن للطفل أن يراه عندما يدخل على والديه بدون استئذان فلابد من متابعة ما يشاهده الطفل خاصة في هذه المرحلة العمرية وإلا سيكون الضرر أكثر فداحة.
بعيدا عن التحرش:
لابد أن يكون لدى الوالدين قدر من المعرفة بمراحل النمو الجنسي للطفل كي يكونا أكثر فهما لطبيعة أطفالهم.
فطفل ما قبل المدرسة قد يسعى للتعرف على جسده واستكشافه فنراه يلمس جسده ليتعرف عليه ولطبيعة الإحساس المختلف في المنطقة التناسلية فهو يلمسها أكثر فماذا تفعل الأم الواعية في هذه الحالة ومع هذه المرحلة من النمو.. عليها أن تقوم بتغيير انتباهه فبدلا من نهره والقول له لا تفعل ذلك تمنحه لعبة تشغل بها يديه وتصرف انتباهه عن هذا الفعل حتى لا يعتاده. وعلى الوالدين أن يرقبا جيدا طفلهما وهو يتدرج في مراحل النمو المختلفة ويكونان قريبان منه بحيث يسهل توجيهه ومن الأمور بالغة الأهمية في جميع مراحل النمو تحذير الطفل من جريمة التحرش التي قد يتعرض لها في أي مرحلة سنية عن طريق إفهامه أن جسده أمر خاص جدا لا يجوز لأي من كان أن يقترب منه بصورة خاصة أو لمس مناطق معينة من جسده وانه في حالة ضيقة من اقتراب شخص بالغ منه فعليه رفض ذلك والصراخ ورفع الصوت ولا يخاف شيئا أو يصمت رهبة من الموقف وأن عليه إخبار والديه فورا حتى لا يتكرر له ذلك مرة أخرى.
أقول أنه من الواجب على الوالدين الاهتمام بتوعية الطفل نتيجة ارتفاع مثل هذه النوعية من الجرائم والتي لا يمكن حصرها على وجه الدقة وإن كانت بعض الدراسات تشير أن واحدا من بين أربعة أطفال يتعرض للتحرش مع ما يعنيه ذلك من احتمالية لانحراف الطفل أو شذوذه فيما بعد نتيجة لهذه الصدمة التي تعرض لها في طفولته.. تحدث هذه الكارثة نتيجة لضعف الوازع الديني وشيوع الفواحش والزيادة الرهيبة في وسائل التحريض على الفساد لذا وجب علينا الانتباه وأخذ الحذر.
ولنتذكر أبناؤنا مسئولية عظيمة سوف يسألنا الله عليها وعلينا أن نستعد للإجابة.
الكاتب: فاطمة عبد الرءوف.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.